الحموات أمهات ولكن !!
ميرهان محسن
على
مرّ العصور والأزمان تتغير كثير من الصور الذهنية، ولكن تبقى بعض الصور
كما هي، أو ربما تحتاج لفترة طويلة حتى تتغير، ومن هذه الصور النمطية
"الحماة" تلك المرأة المتّهمة دائماً.
"الحماة" تبدو
صورتها عند بعض الفتيات والزوجات تلك المرأة القوية والمتسلطة والتي ترفض
دوماً أن تأتي امرأة أخرى لتنافسها على ابنها بكل سهولة ويسر..وإزاء ذلك،
فإن بعض الفتيات يُقبلن على الحياة الزوجية وهن يتخوَّفن من الحماة، وإذا
كانت ظروف العصر اختلفت ما بين الأمس واليوم، فهل اختلفت أيضاً الحماة ما
بين الأمس واليوم؟ وإلى أي مدى تستوعب الحماة وزوجة الابن، الصراع الخفي
الذي يدور حول محور الزوج الابن، وكيف يمكن أن يتحول هذا الصراع إلى مساحة
ودّ وسلام؟
وإذا كانت أم
الزوجة عادة لا تتسبب في مشاكل طمعاً في أن يحسن الزوج معاملة ابنتها، نجد
على النقيض أن أغلب مشاكل الحموات تثيرها غالباً أم الزوج.
حماتي ملاك...
وبتجربتها التي لم
تتجاوز العامين مع الحماة عبرت(ميّ كامل) عن رأيها قائلة: بصراحة، إن
المجتمع العربي أساء كثيراً للحماة، وساهم الإعلام في رسم ملامح هذه
الصورة غير الحقيقية في كثير من الأحيان، و للأسف نشأت الأجيال وفي ذهنها
صورة ذهنية سلبية عن الحماة، لذلك فإن هناك صورة نمطية مُسْبقة دائماً عن
الحماة بأنها سيئة، ولا يخفى على أحد أن كثيراً من الفتيات يُقدمن على
الزواج وهن محمَّلات بمشاعر سلبية وحالة تربُّص بالحماة وترصد لكل ما
سيصدر عنها من تصرفات وتداخلات، يروِّج لها الإعلام أو قد تسمع عنها
الفتاة أو تراها في علاقة أمها وحماتها...
وتستطرد ميّ
قائلة: بالنسبة لي فحماتي ملاك، فهي إنسانة طيبة جداً، لا تتدخل بيني وبين
زوجي، و على الرغم من حداثة عمرنا ووجود مسوّغ لحماتي للتدخل بالنصح
والإرشاد، إلاّ أنها تأبى أن تفعل ذلك؛ لأن لديها قناعة كاملة بأن أي تدخل
في حياتنا قد يعكّر صفوها، وقد يتسبب في مشاكل نحن في غنًى عنها.
وعلى الطرف الآخر
فإن (عمرو حاتم) زوج (مي) يؤكد على حديثها موضحاً أن أم زوجته هي "والدته"
وليست "حماته"، فهي أم ذكية وواعية ومتفهمة للغاية.. ربما يرجع السبب في
ذلك إلى ضآلة الفارق العمري.. ويضيف عمرو: أحياناً تقدم حماتي النصح
إلينا، ولكن بأسلوب لا يضايقنا على الإطلاق.
ويستطرد عمرو
قائلاً: للأسف هناك تعميم سلبي لصورة الحماة بأنها مصدر للمشاكل وتهدم
البيوت، ولكن إذا كان هذا يحدث بشكل استثنائي ولظروف قد تَدْخل فيها
الحماة رغماً عنها إلاّ أنه فعلياً لا يوجد حماة ترضى أن تكون سبباً في
دمار بيت ابنها.. فهذه صورة ظالمة للحماة تضعها في إطار ضيق للغاية.
إرضاء جميع الأطراف
(منى فرج ومحمد
منير) زوجان حديثا العهد بالحياة الزوجية، يؤكدان على أن الحماة ما هي
إلاّ أم، وترى (مي) أن الحماة قد تظن أن زوجة الابن ستخطف ابنها منها
وتمنعه عنها، وتضيف: وعلى الرغم من صغر سني إلاّ أن أمي نبهتني لذلك،
وشدّدت عليّ بضرورة أن أحترم أم زوجي مثلها تماماً، لذلك أنفّذ هذا الكلام
تماماً، ولا أُشعِر أم زوجي على الإطلاق بأنني خطفت ابنها منها؛ لأنني
أدرك تماماً أنه إحساس قاتل.
وعلى الطرف الآخر
يعلّق(محمد منير) قائلاً: عندما اخترت زوجتي حرصت على أن أوضح لها ضرورة
احترام أمي وتقديرها؛ لأن الأم أم ولا يمكن أن تُنتزَع منها الأحاسيس
المؤلمة التي يمكن أن تعتريها بزواج ابنها، فكل هذا مقدر تماماً.. ومن
الممكن أيضاً أن تقبل زوجتي بتدخل أمي في حياتنا، وتحرص على إرضائها، ولكن
في النهاية فإننا سننفذ ما يتفق ورؤيتنا كجيل جديد، وهذا في تصوري ذكاء
اجتماعي، أن نرضيها ونرضي أنفسنا....
ونتيجة الظروف
الاقتصادية لكثير من الشباب يلجأ بعض الشباب لمشاركة أبيه وأمه السكن،
وهنا تكون المأساة بالنسبة للحماة وزوجة الابن في آن واحد، ومن هذه
التجارب التقينا بالسيدة "زيزي" وتحكي قائلة: "زوجة ابني أصبحت همي" أدرك
تماماً أن هناك تبايناً بين البشر في الأسلوب والتفكير ونمط الحياة ولكن!!
وتضيف: بعد خطوبة
ابني، تعثرت ظروفه المادية ولم يتأهل لشراء شقة، وكنوع من التضحية آثرت أن
يعيش ابني وزوجته معي في البيت، ولم أدرك أن زوجة ابني ستصبح همي الكبير"
فكلٌّ منا يعيش في جزيرة معزولة داخل بيت واحد، كلٌّ منا يعيش وكأنه في
فندق.... تحملت ذلك وتغلبت عليه بخروجي اليومي وزياراتي الاجتماعية، حتى
لا أظل حبيسة غرفتي.... كما أنني لاحظت أن زوجة ابني مسرفة للغاية مهملة
في البيت وغير منظّمة، وهذا بسبب العمل طبعاً، تجبر ابني على مساعدتها،
وبصراحة هذا وضع لا يعجبني، أرهقني كثرة الحديث طالما أن لا أحد يعبأ بما
أقول، لذلك آثرت السلامة وسكتّ.
وبضيق شديد تتحدث
(غادة) عن تفاصيل حياتها التي أصبحت للأسف "تحت المجهر"؛ بسبب حماتها التي
قبلت أن تعيش معها منذ بداية الزواج، وتعبّر عن ندمها الشديد لذلك الآن،
وتقول: عندما أحببت زوجي تحملت ظروفه، وعلى الرغم من كل التحذيرات من
حماتي إلاّ أنني صمَمْت أذني عن كل ذلك، خاصة، وأن حماتي "كانت" طيبة جداً
أيام الخِطبة، ولم أر منها شيئاً.. ولكن الوضع انقلب فيما بعد رأساً على
عقب.. فبعد الزواج أصبحت حماتي تتدخل في تفاصيل حياتي مع زوجي، في أسلوب
حياتنا، والخروج والدخول، وأسلوب الطعام، ومعاملة زوجي لي، وتعاونِه معي،
ولا يعجبها شيء، وهى ترى كل ذلك، و على الرغم من أنها لا تعلق بالكلام
إلاّ أن نظراتها أشد من طلقات الرصاص، ناهيك عن أنني ذات مرة اكتشفت أنها
تنقل كل ما يحدث في البيت إلى بناتها اللاتي هن بمثابة وكالة أنباء
متنقلة....
أيقنت عندئذ أن كل
تفاصيل حياتي الدقيقة أصبحت مكشوفة أمام الجميع، ولم يعد للخصوصية مكان
في بيتي.. فآثرْت السلامة وأصبح بيتي هو غرفتي.. أصبحت أشعر أنني أعيش
داخل سجن (5) متر، ولكن ماذا أفعل؟ ضقت ذرعاً بميكروسكوب حماتي. ولا أريد
مشاكل... تكفيني نظراتها!!
وإذا كانت زوجة
الابن ترفض أحياناً أن تعيش حماتها معها، فهذا يرجع لعدم رغبتها في كبت
حريتها، وكذلك لرغبتها في درء المشاكل على حد تعبير(ريم محسن)، وتقول: إن
الزمن اختلف عن الماضي بشكل كبير، ولكن المشاكل تنتج من أنّ كلَّ طرف
يُمثِّل جيلاً، وكل جيل له آراؤه وأفكاره ونمطه في الحياة، إذا كان هناك
خلافات تحدث بين الأم وابنتها فما هو الحال بالنسبة للحماة وزوجة ابنها؟!
وتؤكد(ريم محسن)
على ضرورة وجود مسافة فاصلة، حتى تظل العلاقة طيبة بين الحماة وزوجة
الابن، وحتى تظل الحماة عزيزة لدى زوجة ابنها والعكس صحيح.. وتقول ريم:...
بصراحة حماتي طيبة ولا تتدخل في حياتنا إلا بقدر محدود ونتقبله برحابة
صدر؛ لأننا ندرك أنها تتدخل برؤية جيلها، لذلك نستمع لما تقوله ونرحِّب
به، وهذا يسعدها كثيراً، ونحن ندرك تماماً أنها تبحث عن مصلحتنا بالطبع.
الأزواج ضحايا أحياناً!!
إن الأم لا يمكن
إلاّ أن نتحملَها، فهي أم في النهاية، هذا ما عبر عنه (مصطفى محمد) زوج
ريم قائلاً: إن أي أم تسعى دائماً لسعادة أبنائها وراحتهم، لذلك فهي قد
تتدخل في بعض الأمور التي ترى من وجهة نظرها أنها قد لا تريح ابنها، وهذا
هو أكثر أنواع التدخلات للحموات في عصرنا الحالي.. ويستطرد مصطفى محمد
قائلاً: "إن ظروف الحياة والعصر اختلفت شكلاً وموضوعاً، والمشاكل بين
الزوجين تتصاعد وتيرتُها في كل بيت، ولم يعد الأمر بحاجة لمشاكل الحموات
أيضاً... لذلك ففي تصوري أن الحموات في العصر الحالي أصبحن أكثر وعياً من
ذي قبل، ولم يعدن يثرن مشاكل عديدة مثل الزمن الماضي، وخاصة في ظل الأسرة
الممتدة، فالآن أصبح الابن يستقل بمسكنه، وظروف الحياة جعلت الزيارات
الاجتماعية العائلية أقل، مما أدى إلى تقليل فرص الاحتكاك وإثارة
المشاكل.. ويروي مصطفى كيف أن كثيرًا من الأزواج يقعن ضحية في حال خلاف
الأم والزوجة، ويزداد الأمر إحراجاً عندما تطلب كل منهما أن يخيِّر بينها
وبين الأخرى.. فأيهما يختار؟
التجاهل أفضل... للحموات
إذا كان هذا هو
حال حماة لابنٍ وحيد، فما هو الحال بالنسبة لحماة لها ثلاثة أبناء؟ هذا ما
تحدثنا عنه السيدة(فاطمة محمد)، موضحة أن لديها ثلاث تجارب مع زوجات
أبنائها فتقول: إن الأم الواعية التي تحب أبناءها لابد أن تتعامل بذكاء مع
زوجات أبنائها؛ حتى تضمن راحة أبنائها، وهذا ما استطعت تحقيقه مع أبنائي
الثلاثة.
وتتحدث السيدة
فاطمة محمد عن مشاعر الأم التي تُزوِّج ابنها وشعورها بأن هناك امرأة أخرى
هبطت بالبراشوت لتأخذ ابنها منها، وقدر السعادة الغامرة التي تعتري الأم
بزواج ابنها بقدر حزنها بأن هناك أخرى ستأخذ فلذة كبدها منها.. وتستطرد
السيدة فاطمة في حديثها قائلة: من المؤكد أن هناك العديد من تصرفات زوجات
أبنائي الثلاثة قد لا تعجبني ولا تروق لي، ولكني حريصة على عدم التدخل في
حياة أبنائي؛ حتى لا أتسبب في مشاكل، تنْصَبّ على رأس ابني في النهاية،
لذلك فإنني كأم، أتغاضى كثيراً وأغض الطرف عن تصرفات وأفعال قد تستفزني
كأم، ولكنها قد تروق لأبنائي وزوجاتهن، لذلك علاقتي بهن الثلاث علاقة
طيبة.
تجربة لا تتكرر
وفى السياق ذاته
وبرؤية جيل الأمس، ترى رندة عزيز، أن جيل اليوم لا يعاني كثيرًا من مشكلة
الحماة التي عانى منها جيلنا، وتحكي قائلة: للأسف كانت لي تجربة سلبية مع
حماتي، كانت أم لابن وحيد وعندما تزوجت بزوجي آثر أن يسكن مع والدته بعد
وفاة والده ولم أمانع على الإطلاق، إلاّ أنني تعذبت كثيراً، لكونها كانت
تعشق استفزازي وإثارة غيظي دائماً، عندما كانت تجلس لفترات طويلة مع زوجي
يتحدثان ويشاهدان التلفاز، وكانت دوماً ترفض وجودي معهما، وكان عزائي
الوحيد حبي لزوجي وطيبة قلبه في التعامل مع أمه المُسنّة، و على الرغم من
مرضها وقيامي بخدمتها إلاّ أنني لم ألمس أبداً منها نظرة حب لي.. وبعد
وفاتها وبمرور الزمن، وعندما كبر أبنائي وتزوّجوا رفضت تماماً أن أكرر ما
فعلته بي حماتي، وعند إحساسي بالألم كأم حين زواج ابني الوحيد بأن أخرى
ستأخذه مني، وقتها أدركت إحساس حماتي، ولكني سرعان ما تغلّبت على هذا
الإحساس وبذلت جهدي؛ لأستقطب زوجة ابني إلى جانبي (خاصة بعد وفاة والدتها)
وأكسب ودَّها وحبَّها لي ونجحت في ذلك، والحمد لله، وأشعر الآن أنها هي
وابني يتنافسان على إرضائي.
الأم الحماة... أفضل
ومن جانبها، تفصح
الدكتورة سامية الساعاتي، أستاذ علم الاجتماع جامعة عين شمس، بالقاهرة، عن
أن أسباب اختلاف دور الحماة بين الأمس واليوم بقولها: إن اختلاف أفكار
ورؤى وتصرفات الحموات بين الأمس واليوم لا يرجع لاختلاف ظروف العصر بقدر
ما هو اختلاف نمط العصر، فخلال فترة الثلاثينيات والأربعينيات لم تكن
الحماة على قدر من التعليم، ولم يكن لها دور في الحياة العملية، فترة
الستينيات والسبعينيات زاد اتجاه المرأة للخروج نحو التعليم والعمل، وهذا
الأمر جعل لهن نمطاً آخر.. وتستطرد د. سامية الساعاتي مؤكدة على أن
الثقافة التقليدية كانت تعبِّر عن موروث ثقافي ضد الحموات وزوجات الابن من
خلال الأمثال الشعبية، ومن هذه الأمثال: "عرق ورا الودن ما يحبش مرات
الابن"، أما الزوجة فتقول: "الكي بالنار ولا حماتي في الدار"، "طول عمرك
يا خالة وأنتي على دي الحالة".
وهناك أسباب
تقليدية لهذا التنافر بين الحماة وزوجة ابنها، فالحماة تشعر أن زوجة الابن
قد شاركتها في حب ابنها، إن لم تكن قد استأثرت به كلِّه، وبدورها تشعر
بغيرة من زوجة ابنها، ولعل الألم الذي تشعر به الأم مردُّه إلى أن زوج
البنت عادة ما يمثِّل إضافة ومكسباً لأسرة زوجته، وهو بذلك يكون مطروحاً
من عائلته، ولعل الأم تلمس ذلك بوضوح في الأعياد والمناسبات، حيث تحرص
الفتاة أن تذهب لأسرتها أولاً ثم لحماتها.
وتضيف د. سامية
الساعاتي قائلة: إن التغير الاجتماعي أهم عنصر حدث فيه هو تعليم المرأة
واستغلالها، فالحماة في العصر الحالي باتت مشغولة، وباتت صديقة لزوجة
الابن، ولم تعُدْ هناك حواجز بينهما... وترفض د. سامية لفظ الحماة، مؤكدة
على أن الحماة هي أم قبل كل شيء، فالأفضل أن نطلق عليها الأم الحماة..